Monday, January 21, 2008

محمود



قبل هبوط الظلام على غزة بأيام قليلة سألته عن يومه العادي. ارسل لي الاجابات. قلت له سأنشرها بعد أن اقوم بترتيبها بالشكل المناسب. و كعادته، الوقت المناسب لا يأتي... الا في وقته المناسب ..

أنشر كلامه اليوم – كما هو – دون اعادة ترتيب ..

هكذا حكى لي "حنظلة" عن ايامه العادية في غزة.

هكذا... يُقهر الظلام في غزة ..
------------------------------------------------------------
مع قناعتي التامّة بأن "الأسماء أسخف من نحملها" و مع أن فيروز قالتها قبل هيك "الأسامي كلام ، شو خص الكلام .. عينينا هنّي أسامينا" لكني ما عندي أي سبب مقنع لأخفيه ، اسمي محمود وعمري 17 عاماً .

ساكن في بلدة صغيرة جنوب قطاع غزة اسمها "خزاعة" ، هي آخر منطقة بقطاع غزة ملامسة للشريط الحدودي مع دولة الكيان ، انولدت و تربيت فيها من وأنا صغير وعشت حياتي كلها داخل هالبلدة .. بحبها وبتحبني : ) ، و بما إني ما زلت في هذا العمر .. بالتأكيد طالب في الثانوية ، ومدرستي بعيدة عن أقرب قُلبَة إسرائيلية "نقطة حراسة" 200 متر تقريباً ، يعني باختصار المدرسة كلها مكشوفة لأي جندي خالي البال حابّ يتسلّى بترويع الطلاب.

أيامنا عادية
جربت أكتب عنها قبل هيك ، فهي عادية - بالنسبة لنا - تعوّدنا ، لكن بالنسبة لمن هم خارج غزة .. بعتقد إنها كارثة ، وما بهوّل في هذا الوصف ولا حتى مقدار ذرة ، مشاريع شهادة مستمرة ، قصف للبيوت ، استهداف للأبرياء ، إجتياحات وتوغلات بشكل يومي ، وطيّارات رصد واستطلاع "24/7" تنغص عيشة أهل غزة إن حاولوا الترفيه ومشاهدة التلفاز لأنه يستحيل أن ترى شيء وهي في السماء كالغراب !

راح أحكي عن يوم عادي وطبيعي : بصحى الساعة 6 يومياً ، بعمل الأشياء اللي منعملها كلنا يومياً ، بطلع للمدرسة مشي وهي تبعد 2 كيلو تقريباً ، قبل ما أوصل المدرسة ب300 متر أعرف إذا فيه دوام اليوم أو لا ، ولو كان لا : بيكون بسبب إطلاق نار ع المدرسة أو وجود قوات إسرائيلية خاصّة بالمنطقة ، وهالشي بنعرفه من انتشار المسلحين بالشوارع وحول المدرسة. أما لو نعم فبنشكر الله إنها ما راح تضيع حصّة فيزيا وندعي أنه نخلص المنهج بوقته! يوم مدرسي طبيعي ، لكن الأوضاع السياسية بالبلد والإجتياحات الشبه يوميّة والإضرابات المتكررة أثرت كثير ع مجال التعليم بغزة بشكل عام وبمنطقتنا خصوصا كونها منطقة خصبة للمشاكل سواء داخلية أو مع الإسرائيلية!

عن تأثير الاحتلال وسياسته وعراقيله

لو إجالنا سؤال "علل / تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في فلسطين" أو "اذكر سبب وجود 70 % من سكان غزة تحت خط الفقر " .. هالكلمات "باللون الأحمر أعلاه" بتكون منقذة للكثير منّا كطلاب وقت الامتحانات! ويمكن تُقرأ كثير بتقارير الأمم المتحدة وهالمنظمات الدولية ، بس اللي ما عايش الواقع .. ما بنقدر نحكي أنه بيحسّ تماماً بمعنى هالكلمات بكل صدق ، أنا ما بخوّن البعض وبعمل نفسي وطني و هالحكي الفاضي ، بس "عشان تفهم الشعب.. امشي حافي بينه واتبهدلك شوي" ، صرنا مؤمنين ومستسلمين لواقع أنه الاحتلال صار شي يومي بحياتنا واعتدنا عليه كأنه باقي للأبد ، راح أعطي أمثله بسيطة:

البيوت: في منطقتي فقط هدم أكثر من 20 بيت لناس لا ذنب لهم إلا أنه بيوتهم قريبة من الشريط الحدودي و "تشكل خطر على دولة إسرائيل" .

المدارس: بأسلوب الاحتلال القذر اللي تعودنا عليه بضم الأراضي ومنع إقامة أي مبنى أو منشأه عليها ، أثّر جداً علينا كطلاب ، كونه ما كان في مدرسة ثانوية لمدة طويلة لأنه مافي أراضي للإقامة عليها ، وحتى الآن مافي مدرسة إعدادية لطلابنا ، ويضطروا يروحوا مشوار "10 كيلو متر" ع أقرب مدرسة لمنطقة سكنهم "خزاعة" ، كل هذا ممكن تحمّله ، لكن إطلاق النار الشبه يومي على المدارس شيء مريع ، لدرجة أنه مرة الرصاصة عدّت من أمام أنف عبدو "صديقي" لأنه جنب الشبّاك ، وبشكل أو بآخر .. جيش الاحتلال كان مسؤول عن تعليقات الدراسة اللي بتصير بشكل شبه أسبوعي واللي بتأدي بشكل ملاحظ لتراجع مستوى التعليم بالمدرسة.

الزراعة: بما أنها خزاعة بلدة زراعية بحته ، وأهلها أغلبهم مزارعين وتعتبر المهنة الرئيسية للبلدة ، فمجال الزراعة تأذى جداً وتراجع بشكل ملاحظ عن ما قبل الانتفاضة ، سواء بتجريف الأراضي والدفيئات الزراعية أو مصادرة أراضي بشكل كبير ، ومنع المزارعين من الزراعة أو حتى الاقتراب لها ، أو قلع أشجار الزيتون ( بعضها له عشرات السنوات! ) ، باختصار دفع المزارعين ثمن غالي جدا ، وكلّه من "الاحتلال وسياسته" : ) .

كل ما ذكر أعلاه كان بشكل عام ، بشكل خاص أعتبر نفسي لم أتضرر فعلاً من الاحتلال ، رغم إني اعتقلت عندهم و رغم أن سياسة فصله بين الضفّة وغزة آذتني جداً بما أنه هناك في الضفة من أهتمّ لأمرهم أكثر من نفسي ، وهو حرمني من الوصول للشطر الثاني من الوطن ، لكني وعدتها مرة "نلتقي ذات يوم" .. كسرنا الاحتلال بإرادتنا كثير ، مش قادرين نقهر حاجز.. ولا شو؟ قدّه أكيد ! وأمور كثيرة تضررت منها ، لكن .. على الجانب الآخر في أصدقاء أخذت أرواحهم بكل بشاعة ، في أصدقاء ما زالوا في سجونهم وفي طلاب بترت سيقانهم و كثيرون اصيبوا بعاهات مستديمة، فأنا بشوف أنه مهما كانت معاناتي وآلامي .. فأنا في نعمة كبيرة مقارنة فيهم ، لكن لن أسامح نفسي لو لم أذكرها ، هي التي لها حكاية أخرى تطول ، بطريقة شتتنا احتلال وحاجز لعين ..

أحلامي بسيطة
أستطيع أن أقدم لكم اعترافا مجانيا علنيا بأني فعلاً لا أملك حلماً أو طموحا كبيرا حتى الآن ، أغلب ما أتمناه هو "قرارات" صغيرة أتخّذها كل عام وأتمنى أن أوفّق فيها ! لكن الآن فكرت إني ممكن بكون أملك حلم فعلاً ، والاحتلال بدّده! بدّي أزور الضفة الغربية و "الخليل" تحديداً وهذا حلم صعب التحقيق في ظل وجود "إيرز" المعبر الوحيد الذي يقطّع شطري الوطن ..

كانت زمان عائلتي تفكر بالهجرة إلى كندا وأنا كنت مشجّع لهذه الفكرة كثيرا ، لكن تلاشت هذه الفكرة مع الزمن وتقبلنا الأوضاع كالعادة ، عادت الفكرة تراود الخاطر قبل سنة تقريباً مع أحداث غزة المؤسفة بين فتح وحماس ، لكن الأوضاع حينها لم تسمح وما منعنا فقط هو "المعبر" الذي كان مغلق حينها! و ما كان والدي يجد تشجيعا قويا وكافيا منّا ، أنا الآن – وبصراحة - نادم أني لم أخرج من غزة بعد 14 / 6 : ) .

لا أملك نظرة مستقبلية لحياتي ، لكني واثق أنها ستكون حياة جيّدة ومرضية ، لا أعلم السبب .. أنتظر أن انتهي من دراستي والسفر إلى الخارج "الضفة غالبا" وإتمام الدراسة هناك ، لم أحدد بعد ماذا سأدرس وما سأكون .. لكن باستطاعتي أن أحب دراستي وعملي مهما كان و مؤمن جداً بـ "حب ما تعمل ، لتعمل ما تحب " .

5 comments:

Anonymous said...

mr7ba ana b7yyi ma7moud 3a hlshi had w alla m3o w kolna bdna nt7mml mashakil bs ma ynsa eno sa7 hwwi ymkin mdy2 mn lwade3 bas hwwi oddam l3alam bikon kbeer l2no SAMED bi watano w ana ba2olo niyalk enk hnak, ymkin hwwi y2ol eno ente ma bt3rfi lwade3 3nna kif bs mbla b3rfo eno kollo atel w esteshhad w ashya m7zni bs ma fena n2ol gher eno alla be3en w nshlla 5er {alla ywf2k ya m7moud w y7a2e2lk kol eli bi balk ya rab w yrj3na 3a bldna:D}

Anonymous said...

قبل كل شيء: وينك أنتِ؟

عرفت أنكِ ستقومي بنشره في هذا الوقت ، لم أكن مهتما جداً لكني أحسست بذلك

شكراً لك ميرون، لكل شيء
(F)

hanoud \
أنا لا أنكر أني محظوظ بوجودي داخل وطني ، لكنه شعور بعض لحظات ترى فيه كل شيء مستباح بإسم الأخوّة! فأنا أحب خزاعة ، ولن أتركها بسهولة
:)

أهلاً بك

محمود

watan said...

هي الحكاية ذاتها ...

ربما اضاف اليها وجوده في غزة اشياء كثيرة ... اشياء كبيرة...

تختلف الصورة لمن يراها من الخارج عمن يعيشها في الداخل

في الخارج .. كيف تعيشون ؟؟ هل اليهود قريبون منكم؟؟... الا تخافون ؟؟

في الداخل : ترى جنديا لم يبدل اسنانه بعد محمل بمليون غطاء وواق .. ومليون نوع من السلاح وخوذة مضادة للرصاص ومع ذلك ينتفض رعبا اذا تقدمت خطوة منه دون أن يأذن لك وانت الذي خضعت لمليون تفتيش ... تبدأ في التفكير .. اذا يخاف .. اذا هو انسان مثلنا ... اذا لا شيء يستدعي ان اخاف من جبان يخاف مني ...

قالو الانسان الاجدر بالخوف هو ذلك الذي مات الخوف في قلبه

وهنا تبدأ الحكاية
....

محمود الذي لا يرى في حياته شيء غير عادي ... هو بالفعل انسان غير عادي

لا ادري ان كنت ستصدق ولكن بمثلك سنتنصر ... احلامك البسيطة وقرار بسيط بأنك ستهزم الحاجز .. هي التي ستنمو وتكبر.....

بالمناسبة حتى انا ما بقدر اوصل الخليل .. اصلا يا دوب اوصل نابلس

مو هاي سياستهم يحولنا لدويلات عبارة عن مدن صغيرة .. كل دولة-مدينة بعيدة كل البعد عن سكان الدولة -المدينة الاخرى

ولكننا دوما نجد طريقة لنتواصل...


أمل : رقيقة كالعادة ،، قوية كالعادة

Hedaya Al Haj said...

ما بعرف كيف انا شفت حالي بهالمحمود يمكن لو كان محمد . سعد . سعيد . برضو كنت حاشوف حالي فيه .
فلسطيني . فلسطيني .
هناك ولا هون بطلت تفرق ..حتى اللي هناك هم بقلوبنا هون ...واللي هون بيستنو اللي هناك
يعني باختصار القضية قضية هناك وهون .....واخرتها بتنحلّ

حنتعلم ونتعلم ..
حزنت كتير لما قرات انو بدو يدرس برا " يمكن بالضفة " هسا الضفة صارت برّا ........الله بيعين حياة وحنعيشها

وينتحدى كل شيء

Anonymous said...

وطن
و بعدين مع إسمك ، اللي كل ما أشوفه أتذكر حكاية أو موقف عن هالوطن الشائك في صدورنا

نلتقي ذات يوم
:)

عروبة
تعرفي إني تذكرتك كلامك اليوم ، مع إني قرأته قبل فترة ، لما كنت أسمع ع الراديو اتصالات أهل غزة ع أهل الخليل و تمنيهم لسقوط الثلج بغزة و دعواتهم للذهاب إلى الخليل و و و

حزنت - مثلك - و تذكرت
يا فلسطينية (F)