فيروز مثلت وتكلمت وغنت في عرضي «صح النوم»
«تركييييبة»، ما ان صاحت فيروز بالكلمة الاولى من دورها، بعد هنيهة من رفع الستارة عن المشهد الاول في مسرحية «صح النوم» في عمان ليل السبت الماضي، حتى وقف ما يزيد على خمسة آلاف متفرج يصفقون، بعد ان تأكدوا من أنها هي حقاً، فيروز، تلك المختفية خلف المظلة البرتقالية في مقدمة المسرح، والتي كانت لا تزال تدير ظهرها للقاعة، كما يقتضي دورها في شخصية «قرنفل». اما وجه فيروز، فلقد بدا في تلك اللحظات لمن كان له حظ رؤيته من الكواليس، متأثراً، لكنها سرعان ما استعادت ضبط تعابيره لمتابعة أداء دورها. هكذا ظلت، حتى بعد نطقها بأولى كلمات الدور، تدير ظهرها للجمهور، الذي كان عليه الانتظار، مدة بضع جمل من الحوار، لتستطيع ان تستدير صوبه، وتشاهد بعينيها القاعة الممتلئة بجمهور متعدد الجنسيات، يقف مصفقا لظهورها عليه، كالامنية في ليلة القدر، في تحية حب عميق. كل ذلك حصل في الدقيقتين الاوليين من المشهد. كان ظهورها كافياً ليحصل ذلك التواصل بينها وبينهم. تواصل اشبه بتيار كهربائي خفيف، يمتد من القاعة اليها، ثم يعود منها الى القاعة... لساعتين.
لكن الأمور لم تكن في حضرة «صح النوم»، كما في حضرة حفلاتها الموسيقية، حيث باستطاعة الناس ان يفرجوا عن انفعالاتهم بعد كل أغنية فينفجروا تصفيقاً. فتسلسل مشاهد المسرحية، لا يتيح المجال لإرسال تحية والرد عليها. أقصى ما قد يتاح المجال له هو ان يتفاعلوا مع المشاهد: فيضحكوا، كما عندما كانت «قرنفل» تتملعن، او يحزنوا، عندما كانت تظلم، او تعود اليهم طفولتهم وطفولة اولادهم على وقع اغنيتها «يللا ينام» التي كانت تحورها عن اصلها لتغنيها للوالي كي لا يستيقظ ويراها تسرق منه الختم. لكن، بعد هنيهة التأثر العـــاطفي الاولى، سرعان ما استطاع الجمهور ان يضـــبط هو ايضا انفعاله. فاستكان وبدا مستـــغرقاً استغراقا تاما بمتابعة فـــيروز الممثلة العائدة اليه على طبق من مســـرحية، ومتجاوبا، تماما في الاماكن المتوقعة منه في المشاهد المــــتتالية: إن ضحكا او تشــــوقاً او تأثراً، خصـــوصا في مشهد «تنويمها » الغنائي للوالي، أو كما في المشهد النهائي حين تتمكن من استعادة الختم من قاع البئر المهجورة، فيصفح عنها الوالي خوفا من عدم تلبية رغبة شعبه الذي أحبها ودافع عنها كونها ساعدته وعرضت نفسها للخطر من اجله. هكذا، دوت عاصفة من التصفيق لخروج «قرنفل» من البئر، ما يشي بالتشويق الذي سيطر على الجمهور بانتظار أحداث المسرحية. كما صفق الجمهور للفكرة التي اقترحتها المسرحية سياسيا: أي تقاسم السلطة بين الحاكم والمحكوم، بين الوالي وشعبه. كذلك صفق الجمهور لمن استطاعت في لحظة ذروة في ادائها، ان تنسي هذا الجمهور الآتي لرؤية فيروز، انها شيء آخر غير «قرنفل» المتمردة الهامشية. وبذلك نجحت فيروز، الممثلة، اكثر بكثير مما كان يظن: فقد تمتع الجمهور بأدائها على مدى ليلتين من دون ان يحرم من صوتها. هكذا شاهدها.. تركض لتخـــتبئ، تتخانق، تتمسكن، تتملعن، تتـــمرد، تحـــدث نفسها، تمازح، تغضب وتحزن وتســخر. كما سمعها تتحدث، بكــــلام عادي، كلام حوار، حُرم منه منذ ازداد تمنــعها عن المقابلات الصحافية الاذاعية والتلفزيونية.
أما مشهد تسلـــلها خلف كرسي الوالي، تهـــدهده بأغنيــتها الشهيرة «يللا تنام»، فقد استـــحضر في اذهان الناس ما جعلهم يصيـــحون ويبكون ويضحكون و... يتعانقون! هذا المشهد ـ وغيره مما لا يتسع المجال لروايته كله هنا ـ تكرر على مدى ليلتين. كأن الجمهور هو ذاته، تماما كما المسرحية هي ذاتها. ولو ان فيروز بدت في الليلة الثانية أكثر راحة ورشاقة. فتنقلت اسرع وبخفة اكبر، وفردت حركات ذراعيها وتعابير وجهها وجسدها ولهجتها اكثر..
لكن جمهور الليلة الثانية لم يكن كالأولى التي تميزت بحضور رسمي كثيف للعائلة المالكة. وإن طغى حضور فلسطينيي العام 1984 على الحفلتين، إلا أنه كان واضحا انه اكبر في الليلة الثانية، لدرجة خصصت له الصـــحف والتلفزيونات العربية والمحــلية الأردنية عدة تحقيقات. ونشـــرت صحيفة «الغد» الاردنيـــة تحقيقا حول «حضور عرب الـ 48» وصف فيه احد الحضور د. كمال مصـــاروة فـــيروز بأنها «رمــز عربي كبير تستأهل عناء وقرف عبور المعابر الاسرائيلية». واضاف «فيروز تمنحنا قوة للنضال وجها لوجه مع الاسرائيليين».
اما جواد دقور فقال انه سعيد «لأن كل حدا هنا هو عربي، وبدنا نسمع فيروز. وفلسطين عربية أكيد»، مضيفا بلهجته الفلسطينية «حواكيرنا غاد، وزتونا غاد، وسيدي وسيـــد ســـيدي مدفون هناك، فكيف العرب بيفكروا أننا اسرائيليون؟».
وكان الحفلان الاول والثاني قد بدآ عند التاسعة مساء وسط إجراءات امنية مشددة اصبحت على ما يبدو سمة اي نشاط عام في أردن ما بعد تفجيرات الفنادق منذ ثلاث سنوات. ولقد استفادت الشركة المنظمة «انا الأردن» وهي شركة اردنية شابة، سبق ان نظمت حفلا لفيروز العام 2004 هنا، من خبرتها السابقة في حفلات السيدة، فلم يتعد من استطاع ان يتسلل بكاميرا او حتى هاتف محمول، العشرين شخصا. فقد نُصح الحضور «منذ» الكاراج، بترك «الآلات» الممنوعة في سياراتهم. اما من استطاعوا الوصول الى باب القاعة، فقد اعطوا ايصالات بالآلات المصادرة. ومن تبقوا، «فضحوا» انفسهم بفلاشاتهم ثم اضطروا للتخلي عنها لحراس القاعة الحازمين.
وكما غصت قاعة «أرينا» بالقادمين من كل حدب وصوب لمشاهدة «صح النوم»، امتلات فنادق العاصمة الاردنية بنزلاء... «صح النوم» القادمين من فلسطين، لمشاهدة من يحبون ان ينادوها توددا بلقب «ام زياد». ولقد نزل بعضهم في فندق الفرقة ذاتها، واختلطوا بهم الى موائد الفطور والغداء والعشاء، التي كثر تبادل الإيمايلات وتجفيف الدموع حولها لمجرد ذكر القادمين من اين اتوا وما عانوه على المعابر للحضور. كما كثر الحديث في السياسة، خصوصا لجهة تعريفهم بوضعهم كـ«عرب 48»، أي الفلسطينيين المفروضة عليهم الهوية الإسرائيلية ومشاعرهم المجروحة من اعتبارهم «إسرائيليين». وقال بعضهم ان اهل غزة يناضلون بالدم في حين انهم هم، فلسطينيو الـ ,48 يناضلون عبر تمسكهم بهويتهم العربية. كما جرت احاديث حول العدوان الإسرائيلي في تموز ,2006 خصوصا مع اهالي حيفا.
هكذا رد احــدهم على عبارة «لا تؤاخذونا على قصفكم الســـنة الفائتة»، بقــوله «والله تصدقي؟ فرحنا. هاتوا ولا يهمــكم».
ضحى شمس - عمان
الاثنين -5-11-2007
3 comments:
هل حضرتِ الحفلة؟
hi yasmin
no ..i am not in jordan lil asaf
كان نفسي اروح
نيالك يا جواد :(
شفت تقرير صحيفة هآرتس من بدري وخلتني ابكي لانه ما في مستحيل
Post a Comment